جعفر الونان
إذا كان التفكير العراقي الآني يستبعد إنشقاق في جسده، وتقسيمه إلى ثلاثة عراقات (العراق السني – العراق الشيعي – العراق الكردي)، لكن ذلك قد يكون على الابواب فجأة، في ظل استمرار الكتل السياسية النفخ في البوق الطائفي، وتجاهل النصوص الدستورية.
ما يجري اليوم في تمييز واضح في التعامل مع القاتل والضحية، يستدعي الوقوف طويلاً، والنظر من فوق الزجاجة، لا من عنقها ولا من داخلها، من دون أدنى شك أن هناك جهات من الأطراف الثلاثة منتفعة من الهواء الطائفي، ولا تعشق الأحاديث أو الأفكار التي تلم الشمل الوطني.
المشكلة العميقة، ان بعض الكتل السياسية لا تسطيع المضي في الاجواء الوطنية، لذلك تلجأ إلى تحفيز الأجواء الطائفية، والعمل على اشراك المجتمع في ضرب المعتقدات الدينية للمذهب الآخر.
في مقالة سابقة تحدثت عن ضرورة المصالحة الدينية بين المذاهب الأسلامية، للحد من خطر التقسيم وشبحه، من يرفع السلاح ضد أخيه من المذهب الآخر لا يقل خطورة عن الدواعش، وكلاهما أقل خـطورة من الحواضن التي تدعم وتمول وتشجع على القتل الطائفي.
ثمة خطورة كبيرة في نزف المشتركات بين الشيعة والسنة والتوجه إلى نظرية "كسر العظم" عبر الاستهداف المتبادل أو عبر الصمت على الجرائم التي ترتكب بحق المذهب الآخر أو عبر احتواء داعش والتحاضن معها، أو عبر السماح لقوات خارجة عن مظلة الدولة والقانون في ضرب أهداف معينة، وفق حسابات طائفية، يفترض أن نستخلص النتيجية الآتية أن الشحن الطائفي سيولد آجلاً أم عاجلاً عراقاً برئيسين، رأس سني وآخر شيعي، وسيأكل أحدهما الآخر.
العراقيون لا يستحقون كل هذا الدمار، وإزهاق المزيد من الدماء والأرواح، وحان الوقت ليهجرهم الظلام، ويبتعد عنهم الخراب، الذي حطَّ ضيفاً عليهم، بسبب الصراعات القديمة الحديثة المطرزة بلباس الدين تارة، وتارة بلباس القومية.
السنوات الحكومية الاربع المقبلة، تحدد توجهنا، أما بعراق آمن موحد أو بآخر منقسم إلى رأسين طائفيين، وتضيع المواطنة وتترسخ الدولتين الطائفيتين في بلد واحد.
ويبقى الأمل منعقدا على أن يتناسى العراقيون قليلاً، الهوية الطائفية، والشروع بتعميق مفهوم بناء المواطنة، وافشال مشروع تقسيم العراق أو اقلمته، والوصول إلى فضاء الهاوية، والعمل على استئصال ترسيخ السلطة الطائفية عند البعض، وتكون المواطنة المعيار الأساس في تعزيز القدرة على الشروع ببناء البلد وعقد مصالحة سياسية ودينية حقيقية وفعالة.