تمزيق نسيج المجتمع العراقي طائفياً وإثنياً وتداعياته على مستقبل العراق مقترحات للحل
لعل من أسوء ما جاء به الاحتلال هو هذا التفتيت المتعمد للمجتمع العراقي إلى مكوناته الثانوية، وتدمير الهوية الوطنية العراقية بحيث حل الانتماء الثاني هو الاساس، فأصبح الفرد يعرف نفسه بأنه شيعي، أو كردي، أو كلدوآثوري، أو سني! وعبر هذا التفتيت الذي مارسه الاحتلال، وأصحاب الهوى من العراقيين الذين تربصوا هذه الفرصة ليفرضوا خياراتهم، وخيار دولة الجوار الشرقية معهم،
وعبر هذا التفتيت الذي مارسه الاحتلال، وأصحاب الهوى من العراقيين الذين تربصوا هذه الفرصة ليفرضوا خياراتهم، وخيار دولة الجوار الشرقية معهم، فضلاً عن المخطط الرئيس لدولة الاحتلال والكيان الصهيوني. لكن إلقاء اللوم على الآخرين من الطامعين، وذوي الأهواء لا يشكل الحقيقة كاملة، بل يغمض العين عن التعرف على السبب الرئيس الذي أسهم في تفاقم الوضع حتى هذه الدرجة. الحقيقة الماثلة هي أن محصلة الطائفية السياسية، والأمية والجهل قد أسهمتا بالنصيب الأعظم في جَعْل تفتيت المجتمع العراقي أمراً واقعاً. لننظر إلى الممارسات الجمعية التي تظهر للعيان طبيعة وماهية هذا التفتيت.
أصدر المرجع الأعلى السيد علي السيستاني فتوىً بالجهاد الكفائي للدفاع عن حرمة هذ العتبات بعد هزيمة القوات الحكومية في الموصل أمام مسلحي داعش، والثوار يوم 10 حزيران 2014، وقد استغلت السلطة الحاكمة هذه الفتوى لأبعد الحدود حيث كانت ترسل المتطوعين لجبهات القتال دون تدريب كافي، مما أقع فيهم خسائر فادحة على أيدي الثوار. إن مما يثير الأسى هو الخسائر الفادحة التي توقع بهؤلاء الشباب اللذين غرر بهم ودفعوا دون تدريب كافٍ إلى جبهات القتال ليس للدفاع عن العتبات، وهو ما صدرت الفتوى لأجله، بل للدفاع عن رئيس الحكومة، وموقفه ولصد هجوم الثوار الذين تسببوا بتفكك الجيش الحكومي في الموصل وهرب أفراده.
أما الاعتصامات الجماهيرية فهي شأن آخر انطلق من المحافظات الخمسة، والعاصمة بغداد التي تطورت إلى ثورة مسلحة تظافرت فيها أيدي الثوار لتحرير مساحات واسعة من المحافظات السنية الست من هيمنة السلطة الطائفية الحاكمة. ابتدأت الاعتصامات بشكل تحشد جماهيري فاق التصور بكثافته وإصراره ومنطقية مطالبه. ورغم ما أحاط بهذا الحشد الجماهيري الذي أنهى عامه الأول في كانون الأول 2013، وكان هذا الموعد هو ما اتخذته حكومة نوري المالكي موعداً لمهاجمة اعتصام الرمادي بالتحالف مع حلفاء محليين مثلهم محافظ الانبار، ومنتسبي الصحوات السابقة وبعض شيوخ القبائل والتجار المتعاونين مع الحكومة، إلا أن رد الفعل جاء سريعاً على يد المسلحين حيث تم مجابهة الفعل الحكومي المسلح برد فعل مسلح أيضاً، تمكن الثوار من منع القوات الحكومية من الدخول إلى الفلوجة، وطردت من أحياء مهمة من الرمادي، وبدأت سمات حرب فعلية طرفاها المسلحين الذين انتظموا بالمجالس العسكرية، وقوات لحكومة وحلفائها المحليين من سنة العملية السياسية وبقايا الصحوات.
ترتب على سياسة التفتيت التي بوشر بتطبيقها عمليا منذ تسلم مجلس الحكم لمسئولياته بإشراف بريمر وحتى الآن ظهور مجموعة سمات في المجتمع العراقي لم تكن ظاهرةً قبلاً يمكننا إجمالها بما يلي:
تمتع الأكراد في المنطقة الكردية بما يشبه الاستقلال، ليس في المحافظات الثلاث التي يعترف الدستور العراقي السابق بتشكيلها لمنطقة الحكم الذاتي، بل وعلى المناطق المجاورة بحجة أنها مناطق متنازع عليها، وهي كلها مناطق يسكن أغلبها العرب السنة، وشرعت المادة 140 من الدستور لضمان تسوية هذه الحالة. وقد رأينا كيف بادرت الجهات الكردية للتمدد الفعلي مكان قطعات الجيش الحكومي المنسحبة من هذه المناطق بعد هزيمة هذا الجيش أمام المسلحين في الموصل، وكان الدخول واحتلال كركوك هو المظهر الأكثر وضوحاً في هذا المجال.
منع الدستور الانتقال والتجنيس لغرض تغيير الطبيعة الديموغرافية، وهو أمر واضح منع بموجبه عملياً منح الجنسية العراقية لأي عربي بحجة أن ذلك يؤثر على الطبيعة الديمغرافية. وقد شهدنا قيام الشيعة بأمر مشابه في البحرين.
طرحت صيغة الفيدرالية، واتيح للمحافظات بالاندماج وتشكيل أقاليم، وهي مقدمة حقيقية لتنفيذ التفتيت فعلاً على الأرض لما بعد الإقليم الكردي بإنشاء إقليم شيعي حاول المجلس الأعلى تطبيقه أيام عبدالعزيز الحكيم، وتتصاعد الدعوة له بين ظهراني ساحات الاعتصام من قبل بعض المستفيدين، والحزب الإسلامي.
العراق بلد متعدد الأعراق يشكل العرب حوالي 77-80% من سكانه ويتقاسم الأكراد وبقية الأقليات نسبة 20-23% المتبقية، وبهذا ونظرا للتداخل السكاني واسع النطاق فقد كانت هوية العراق عربية طيلة تاريخه منذ الإسلام وحتى الآن، رغم أن العرب قد عاشوا وسكنوا العراق على ما هو ثابت تاريخيا منذ الألف الأول قبل الميلاد.
والسؤال الذي يتبادر للذهن نتيجة لكل ذلك ،هل أن بالإمكان إنجاح التحول الديمقراطي في العراق، بإعادته وطناً لكل أهله لا فرق بينهم بسبب الجنس والمذهب والدين؟ |