باستثناء ايران فان الاطراف الاقليمية والدولية المعنية بما يجري في العراق لا ترى حلا لازمة ذلك البلد المصيرية إلا عن طريق ابعاد نوري المالكي عن السلطة.
وهو الرأي نفسه التي تتبناه غالبية الكتل والاحزاب السياسية في العراق، بضمنها الكتل والاحزاب الشيعية.
فهل يُعقل بعد كل هذا الرفض أن يتمكن الرجل الذي انتهت ولايته الثانية بعراق مهدد بالتقسيم من فرض نفسه على الجميع في ولاية ثالثة؟
إن نجح في مسعاه فإنه يستحق أن يلقب برجل كل العصور. فذلك النجاح يعني أن الرجل يمتلك قوة سحر خارقة تؤهله للبقاء صامدا أمام كل العواصف. ولكن هل يستند المالكي في مسعاه على قوته الذاتية وقوة حزبه، الذي تفوق بطائفيته على كل الفرق والاحزاب والكتل الطائفية الأخرى؟
لو كان الرجل في سنة حكمه الاولى لتم النظر إلى عناده من منطلق كونه جاهلا بالسياسة وتقاطعتها ومواقع التأثير فيها. ولكن الرجل أنهى سنته الثامنة، حاكما مطلقا، حظي بدعم غير محدود من قبل الولايات المتحدة وايران وأطراف شيعية عراقية سهلت له الاستفراد بالسلطة.
ومع ذلك فقد استعدى المالكي الجميع. ثقته بأخطائه، بحساباته وتقديراته المبنية على نظرة حزبية ضيقة أفقدته ثقة الجميع. غير أنه يراهن اليوم على الاصطفاف الطائفي، طوق نجاة بالرغم من أنه أوصل العراق إلى حافة هاوية، معها صار الحديث عن دولة كردية مستقلة، عاصمتها كركوك معلنا وهو ما يستدعي بالضرورة انفصال الاقليم السني الذي سيفضل سكانه أن يذهبوا إلى المجهول بدلا من أن يستمروا في تمثيل دور الضحية في عراق ناقص ومهلهل ورث يحكمه المالكي.
رفض المالكي نصيحة غربية في اقامة حكومة انقاذ وطني نظرا لما يتعرض له العراق من تهديدات ستسلمه إن قويت إلى الانهيار الشامل، في الوقت الذي صار الآخرون من شركائه في العملية السياسية صريحين في قولهم إن أية حكومة جديدة في العراق يكون هو طرفا فيها ستكون لا قيمة لها في مواجهة ما يتعرض له العراق من أخطار، تتجاوزه أقليميا بل وحتى دوليا.
موهبة الرجل في السياسة هي أقل من أن تؤهله لفهم ما يجري من حوله وهو لا يعول سوى على نزعته الطائفية التي يتوقع أن جزءا من المكون السياسي الشيعي سيقف معه من أجلها، في وقفة تضامن قد تكون الأخيرة في وجود العراق الموحد.
فهل يمارس الرجل خياره الانتحاري الأخير إذا ما عرفنا أن هناك أطرافا سياسية شيعية باتت ترى فيه خطرا على مستقبل الشيعة في الحكم؟
ألم يثبت المالكي واقعيا أن الشيعة قد فشلوا في تأسيس دولة حديثة، تكون بديلا للدولة التي محاها الغزو الاميركي؟
لم ير العراقيون من العراق الجديد الذي سلمته الولايات المتحدة لنوري المالكي سوى المسيرات المليونية الذاهبة إلى هذا المرقد والقادمة من ذلك الضريح في جو احتفالي غطت فيه الطقوس والشعائر على حقائق العيش.
وفي ظل ذلك الضجيج كانت المليارات المنهوبة من ميزانية العراق تهرب إلى الخارج في صفقات فساد، صارت المصارف العالمية تئن تحت وطأتها. أيمكن أن يكون العراق الشيعي فاسدا إلى هذا الحد؟
وإذا ما عرفنا أن شيعة العراق وهم غالبية سكانه لم ينلهم شيء من نعمة تلك المليارات، لا تزال مدنهم تعاني من الرثاثة وكل مظاهر الفقر وصارت أجيالهم في منأى عن التعليم، اما وضعهم الصحي فقد وضع بين أيدي السماسرة، يمكننا أن نكون على يقين من أن الرجل الذي نصب نفسه حاميا للشيعة من الانقراض هو عدوهم الاول.
سيرحل المالكي ولكن على شيعة العراق أن يتعلموا الدرس جيدا. عراق المواطنة الموحد هو ما يهبهم قيمة في التاريخ.
فاروق يوسف
ميدل إيست أون لاين